فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين) متفق عليه.
اعلم يا أخي.. أن فتح أبواب الجنة في رمضان حقيقة لا تحتاج إلى تأويل، وهذه نعمة عظيمة ومنة كريمة من الله يتفضل بها على عباده في هذا الشهر، فأبواب الجنة مغلقة لا تفتح إلا في تمام النعمة.
قال ابن القيم -رحمه الله- في قوله -تعالى-: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا)(الزمر:73): "أما الجنة فإنها دار الله ودار كرامته، ومحل خواصه وأوليائه، فإذا انتهوا إليها صادفوا أبوابها مغلقة فيرغبون إلى صاحبها ومالكها أن يفتحها لهم ويستشفعون إليه بأولي العزم من رسله، وكلهم يتأخر عن ذلك حتى تقع الدلالة على خاتمهم وسيدهم وأفضلهم -صلى الله عليه وسلم- فيقول: أنا لها فيأتي إلى تحت العرش ويخر ساجداً لربه فيدعه ما شاء أن يدعه، ثم يأذن له في رفع رأسه وأن يسأل حاجته فيشفع إليه -سبحانه- في فتح أبوابها فيشفعه ويفتحها تعظيماً لخطرها وإظهاراً لمنزلة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وكرامته عليه.
وإن مثل هذه الدار التي هي دار ملك الملوك رب العالمين إنما يدخل إليها بعد تلك الأهوال العظيمة التي أولها من حين عقل العبد في هذه الدار إلى أن انتهى إليها، وما ركبه من الأطباق طبقاً بعد طبق، وما قاساه من الشدائد شدة بعد شدة حتى أذن الله -تعالى- لخاتم أنبيائه ورسله وأحب خلقه إليه أن يشفع إليه في فتحها لهم، وهذا أبلغ وأعظم في تمام النعمة وحصول الفرج والسرور مما يقدر بخلاف ذلك لئلا يتوهم الجاهل أنها بمنزلة الخان الذي يدخله من شاء فجنة الله عالية غالية بين الناس وبينها من العقبات والمفاوز والأخطار ما لا تنال إلا به، فما لمن أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ولهذه الدار؛ فليعد عنها إلى ما هو أولى به وقد خلق له وهيئ له".
وهنا يدرك الإنسان قيمة فتح أبواب الجنة في رمضان.
عجباً لمن يعلم أن الجنة فوقه موجودة تزخرف وتفتح أبوابها في رمضان ثم لا يشتاق إليها ويسعى لها على الأجفان؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة) رواه الترمذي، وصححه الألباني.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "قدر السلعة يعرف بقدر مشتريها، والثمن المبذول فيها، والمنادي عليها، فإذا كان المشتري عظيماً، والثمن خطيراً، والمنادي جليلاً، كانت السلعة نفيسة". اهـ.
فيا أخي.. ها هي السلعة النفيسة، قد نادى عليها خير منادي، فإذا أردت أن تكون عظيماً فابذل الثمن، واقتد بمن سبق.
ـ ها هو عمار بن ياسر -رضي الله عنه- يوم اليمامة، وهو واقف على صخرة يصيح: "يا معشر المسلمين، أمن الجنة تفرون؟! أنا عمار بن ياسر، هلم إليَّ..".
ـ وها هو أنس بن النضر -رضي الله عنه- بلغ من يقينه بالجنة، واقترابه منها بروحه، أن شم رائحتها يوم أحد فلم يصبر عنها فقاتل حتى قتل.. لقيه سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-، وهو ينطلق كالريح نحو صفوف المشركين، والساعة حرجة فقال: "إلى أين يا أنس؟ قال: إلى الجنة، إني أجد ريح الجنة من وراء أحد"!!
ـ وها هو سعد بن خثيمة -رضي الله عنه-، البار بأبيه يتوقف بره بأبيه عندما يتعلق الأمر بالجنة، وعندما يطلب منه أبوه أن يقعد عن القتال يقول: "لو كانت غير الجنة لآثرتك بها، إني لأرجو الشهادة في وجهي هذا"!
ـ وها هو حرام بن ملحان -رضي الله عنه- يصيح فور أن يقتل: "فزت ورب الكعبة"!! وكأنه رأى الجنة على طرف السيف الذي قتل به!
ـ وها هو عمرو بن الجموح -رضي الله عنه-، يصر على القتال حتى بعد أن عذره الله بعرجته، طلباً للتنزه في أرجاء الجنة قائلاً : "أحب أن أطأ بعرجتي الجنة"!
ـ وها هو أبو الدرداء -رضي الله عنه- يشتكي، وحين يعوده أصحابه في مرضه ويسألونه: "ما تشتهي؟ يقول: أشتهي الجنة"!!
أخي..
إنها الجنة.. التي اشتاق إليها الصالحون من هذه الأمة.
إنها الجنة.. دار كرامة الرحمن، فهل من مشمر إليها؟؟
إنها الجنة .. فاعمل لها بقدر شوقك إليها.
فوا عجباً لها.. كيف نام طالبها؟! وكيف لم يسمح بمهرها في رمضان خاطبها؟!
كيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها؟!
إنها الجنة.. دار الموقنين بوعد الله المجتهدين في ليل رمضان، الصائمين نهاره، المطعمين عباد الله، وهذا من موجبات الجنة.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها فقال أبو مالك الأشعري لمن هي يا رسول الله قال هي لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وبات قائما والناس نيام) رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني.