إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستهديه ونستغفره ونسترشده، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن الأضحية شعيرة من شعائر الله يجب تعظيمها، كما قال تعالى: ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ [سورة الحج:32].
وسنة من سنن الرسول ينبغي الالتزام بها، وإحياؤها بالعمل بها ونشرها وشهودها.
تعريف الأضحية:
ما يذبح في يوم النحر وأيام التشريق بعد صلاة العيد تقرباً إلى الله تعالى.
يوم النحر: أول أيام عيد الأضحى، وأيام التشريق ثلاثة وهي: 11 و12 و13 من ذي الحجة.
حكم الأضحية:
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الأضحية سنة مؤكدة وذهب ربيعة والليث ابن سعد وأبو حنيفة والأوزاعي رحمهم الله تعالى إلى أنها واجبة على الموسر؛ لقوله : { من كان له سعة و لم يضح، فلا يقربن مصلانا } [صححه الألباني].
عن كم تجزىء الأضحية؟
وتجزئ الأضحية الواحدة من الغنم والضأن عن الرجل وأهل بيته لقوله : { على كل أهل بيت في كل عام أضحية } [رواه الترمذي وصححه الألباني].
ويجوز أن يشترك سبعة أشخاص في الواحدة من الإبل أو البقر، وقد صح في رواية أن الإبل تجزئ عن عشرة فعن أبن عباس قال: { كنا مع رسول الله في سفر فحضر الأضحى فاشتركنا في الجزور عن عشرة والبقرة عن سبعة } [رواه بن ماجة وصححه الألباني].
وقت الأضحية:
اتفق أهل العلم على أن أفضل وقت لذبح الأضحية، هو اليوم الأول وهو يوم الأضحى بعد فراغ الناس من الصلاة، وبعد أن يذبح إمام المسلمين أضحيته لحديث البراء قال: قال النبي : { إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلى ثم نرجع فننحر، من فعله فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء } [رواه البخاري].
وقد أمر الرسول من ذبح قبل الصلاة أن يعيد مكانها أخرى، فقال : { من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح } [رواه البخاري].
ويمتد وقت التضحية إلى ما قبل غروب آخر أيام التشريق، ويجوز الذبح في هذه الأيام ليلاً ونهاراً..
شروط الأضحية:
يشترط في الأضحية أن تكون من بهيمة الأنعام، لقوله تعالى: لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ [سورة الحج:34].
والأنعام هي: الإبل، البقر، الغنم.
فأما الإبل: فيشترط أن تكون قد استكملت خمس سنين ودخلت في السادسة.
وأما البقر: يشترط أن تكون قد تم لها سنتان ودخلت في الثالثة.
وأما الغنم فإن كان من الماعز فيشترط أن تكون قد تم لها سنة ودخلت في الثانية وأما الضأن (الخروف): فيجوز أن يضحي بما تم له ستة أشهر ويستحب أن يكون قد تم له سنة ودخل في الثانية.
وقد اتفق أهل العلم على أن يستحب أن تكون الأضحية سمينة، ولا يجزئ في الأضاحي المريضة مرضاً بيناً، والعرجاء البين عرجها، والعوراء البين عورها، والهزيلة. وعن على قال: { أمرنا رسول الله أن نستشرف العين والأذن } [رواه النسائي، وقال الألباني حسن صحيح].
ما يحرم على المضحي:
ينبغي على من أراد التضحية من أول ليلة من ليالي ذي الحجة وحتى يضحى أن لا يأخذ شيئاً من شعره أو ظفره، لقوله : { من كان له ذبح يذبحه، فإذا أهلّ هلال ذي الحجة، فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئاً، حتى يضحي } [رواه مسلم]، والتحريم مذهب أحمد، والمشهور عند الشافعية الكراهة وهو ترجيح النووي.
جواز التوكيل في الأضحية:
ويجوز أن يوكل غيره في الأضحية، { وضحى رسول الله عن نسائه بالبقر } [رواه البخاري]، فلو وكل اللجان والهيئات الخيرية لذبح أضحيته في البلاد الفقيرة صح ذلك إن شاء الله، والأولى أن تكون له أضحية يذبحها بيده ويشهدها أهل بيته.
مسائل متعلقة بالأضحية:
1- يجب أن ينوي عند شراء البهيمة أنها أضحية؛ لأن الأضحية عبادة، والعبادة لا تصح إلا بالنية لقول الرسول { إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى } [متفق عليه]، وهذه النية تكفي بالقلب.
2- يستحب أن يستقبل الذابح القبلة وأن يوجه مذبح البهيمة إلى القبلة.
3- لا تشرع الصلاة على النبي عند الذبح؛ لعدم ورود النص بذلك، وإن قال به بعض الأئمة، ولكن سنة النبي أولى بالاتباع والسنة أن يقول ( بسم الله والله أكبر اللهم تقبل مني ).
4- يحرم بيع شيء من الأضحية سواء من صوفها أو شعرها أو شحمها.
5- لا يجوز أن يُعطى الجزار منها شيئاً مقابل الذبح والسلخ؛ لأن ذلك بمعنى الأجرة والبيع ولكن يهديه إن شاء لما ورد عن علي قال: { أمرني رسول الله أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها، وأن لا أعطي الجزار منها، قال: "نحن نعطيه من عندنا" } [رواه البخاري ومسلم واللفظ له].
6- لا يحلب من لبنها ما ينقصها أو يحتاجه ولدها إلا إن كان أنفع لها فيحلب ويتصدق به، أو يهدي ولا يباع، ومثله لو تأذت الأضحية من صوفها.
7- إن ولدت الأضحية ولداً يذبح ولدها مع الأم، وإن باعه يتصدق بثمنه؛ لأن الولد يتبع أمه في الصفات الشرعية، وكذا استحبه عامة الفقهاء؛ فالأضحية قربة لله عز وجل، فما نتج عنها وما انفصل عنها فهو كذلك.
8- إذا تعيبت الأضحية بعد التعيين، فإن كان بتفريط المضحي أو وكيله لزمه إبدالها بمثلها أو أكمل صفة، وإن كان من غير تفريطه يذبحها وتجزؤه، والأحوط الاستبدال بأكمل.
9- ينبغي أن يوكل في ذبحها صاحب دين له معرفة بالذبح وأحكامه، ولا ينبغي أن يوكل فاسقاً في ذبحه، ولا ذمياً فإن فعل جاز مع الكراهة على قوله جمهور أهل العلم.
10- ليس للوكيل التصرف في أضحية المالك إلا بالذبح فقط وما يتبعه من سلخ فلا يتصدق ولا يهدي ولا يأخذ إلا بإذن المالك.
11- يظن البعض أن من أراد أن يضحي ثم أخذ من شعره أو ظفره أو بشرته شيئاً أن أضحيته لا تقبل، وهذا قول باطل لا أصل له، والذي دلت عليه الأحاديث وأقوال العلماء إجزاء الأضحية وإن احتاج إلى أخذ شيء من الشعر أو الظفر أو البشرة لعذر فلا حرج لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّـهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [سورة التغابن:16].
12- من له أضحية وعزم على الحج فإنه لا يأخذ من شعره وظفره وبشرته شيئاً إذا أراد الإحرام.
13- ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الأكل من الأضحية مندوب لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي قال: { .... فكلوا وادخروا وتصدقوا } [رواه مسلم]. قال أهل الظاهر: إن الأكل من الأضحية فرض، وهو قول أبي الطيب بن سلمة من الشافعية.
14- قال الحنفية والحنابلة: يأكل ثلثها ويهدي ثلثها ويتصدق بثلثها، ولو أكل أكثر من الثلث جاز، ومن أهل العلم من استحب أن يأكل نصفاً ويطعم نصفاً لقول الله تعالى في الهدايا: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [سورة الحج:36].
وأما الإمام مالك فلم يحدد في ذلك شيئاً ويقول: يأكل ويتصدق. والدليل على أنه لا تحديد في المسالة، بل الأمر على الاستحباب حديث ثوبان قال: ( ذبح رسول الله أضحيته ثم قال: { يا ثوبان، أصلح لحم هذه }، فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة ) [رواه مسلم].
15- جمهور فقهاء المذاهب الأربعة وغيرهم ذكروا الأضحية عن الميت في كتبهم فمنهم من صرح بجواز ذلك ومنهم من لم يصرح بالجواز بل أجملها مع غيرها من سائر القرب؛ لأن النبي كان يضحي عن أمته ممن شهد لله بالتوحيد وشهد له بالبلاغ وعن نفسه وعن أهل بيته، وهذا الحديث أخرجه الأئمة من طرق متعددة عن جماعات من الصحابة كجابر بن عبد الله وأبي طلحة الأنصاري وأنس بن مالك وعائشة أم المؤمنين وأبي هريرة وحذيفة بن أسيد وأبي رافع وعلى رضي الله عنهم أجمعين، ومن المعلوم أن بعض أمته ممن شهد لله بالتوحيد وله بالبلاغ قد ماتوا في عهده .
سائلين الله أن يتقبل من المسلمين هداياهم وضحاياهم.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.